"واشنطن بوست": تخفيض التصنيف الائتماني الأمريكي يُنذر بأزمة ثقة مالية

وسط تزايد الديون وضعف التوافق السياسي

"واشنطن بوست": تخفيض التصنيف الائتماني الأمريكي يُنذر بأزمة ثقة مالية
التصنيف الائتماني الأمريكي - أرشيف

خفّضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة بدرجة واحدة، وذلك في خطوة تعكس القلق من التدهور المالي المتواصل، وفقا لتقرير نشرته "واشنطن بوست" اليوم السبت.

أشارت الوكالة في بيان رسمي إلى أن هذا التخفيض يأتي نتيجة تراكم الدين العام على مدى أكثر من عقد، وارتفاع تكلفة خدمة الدين، إلى جانب ما وصفته بفشل الإدارة الأمريكية والكونغرس في التوصل إلى اتفاقات فعالة للسيطرة على العجز المالي وتكاليف الفوائد.

تزامن قرار موديز مع خلافات سياسية حادة في الكونغرس، حيث عرقل نواب جمهوريون وديمقراطيون على حد سواء مشروع قانون الموازنة المقترح من الإدارة الجمهورية، المعروف باسم "قانون مشروع الموازنة الكبير والجميل"، ما أدى إلى مزيد من الغموض حول مستقبل السياسة المالية.

وأكدت موديز أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يتمتع بقوة كبيرة، لكنها أوضحت أن هذه القوة لم تعد كافية لموازنة التدهور الواضح في المؤشرات المالية.

تخفيض التصنيف الأمريكي

وسبق لمؤسسات تصنيف ائتماني كبرى أخرى مثل "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" أن قامت بتخفيض التصنيف الأمريكي في فترات سابقة لأسباب مشابهة.

وقد سجّلت الأسواق المالية تراجعًا في تداولات ما قبل الافتتاح، متأثرة بالقرار والتصريحات المرافقة له.

اعتبر البيت الأبيض أن هذا التخفيض يعكس تداعيات إدارة الرئيس السابق بايدن، ووجّه أصابع الاتهام إلى الديمقراطيين.

قال المتحدث باسم الوكالة، كوش ديساي، في بيان عبر البريد الإلكتروني: "تركز إدارة ترامب والجمهوريون على معالجة فوضى بايدن، وخفض الهدر والاحتيال، وسوء الإدارة، من خلال مشروع قانون إصلاحي شامل".

وأضاف: "لو كانت موديز ذات مصداقية، لما تجاهلت الكارثة المالية التي تراكمت خلال السنوات الماضية".

مقترح الضرائب الجمهوري

وحذّر خبراء في الميزانية من أن مقترح الضرائب الجمهوري، الذي لا يزال قيد الدراسة في مجلس النواب، قد يضيف أكثر من 2.5 تريليون دولار إلى العجز الفيدرالي خلال العقد المقبل.

قدّرت اللجنة المشتركة للضرائب، وهي جهة مستقلة تابعة للكونغرس، أن مسودة المشروع الحالي تتضمن تخفيضات ضريبية تبلغ 3.8 تريليون دولار خلال عشر سنوات.

وتوقعت اللجنة أن تسهم بعض مكونات المشروع في خفض الإنفاق الفيدرالي وزيادة الإيرادات، لكن إجمالي الكلفة سيظل مرتفعًا للغاية.

ورجّح نائب الرئيس الأول في "لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة"، مارك جولدوين، أن تتراوح التكلفة النهائية بين 2.5 و3.3 تريليون دولار، عند احتساب الفوائد المترتبة على الدين الجديد.

العجز في ارتفاع مستمر

توقعت وكالة موديز أن يرتفع العجز الفيدرالي الأمريكي إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، مقارنة بـ6.4% في العام الماضي، وأرجعت ذلك إلى عدة عوامل تشمل مدفوعات الفائدة، وتراجع الإيرادات، واستمرار الإنفاق المرتفع على برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي.

وأعلنت إدارة ترامب أنها تعمل على تقليص حجم الحكومة الفيدرالية عبر خفض الإنفاق وتقليص عدد العاملين، في خطوات تنفذها مؤسسات مثل جهاز DOGE، تحت إشراف رجل الأعمال إيلون ماسك.

لكن هذه الإجراءات أبقت العجز في اتجاه تصاعدي، دون وجود مؤشرات واضحة على تحسن هيكلي في المالية العامة.

تصريحات متبادلة وتحذيرات

أعرب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشارلز شومر، عن قلقه من هذا التراجع، وصرّح يوم الجمعة بأن تخفيض التصنيف يجب أن يكون "جرس إنذار" للرئيس ترامب والجمهوريين.

وطالب شومر بوضع حد لما وصفه بـ"المغامرات المتهورة" في السياسة المالية، داعيًا إلى حلول واقعية لخفض العجز دون المساس بالخدمات الأساسية.

واستحضرت وسائل إعلام واقتصاديون تجربة المملكة المتحدة في 2022، حينما خفّضت موديز التصنيف الاقتصادي لبريطانيا بعد طرح رئيسة الوزراء ليز تروس خطة جريئة لخفض الضرائب وزيادة الاقتراض، ما أدى إلى اضطراب الأسواق واستقالتها بعد ستة أسابيع فقط من تولّيها المنصب.

وأطلقت "لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة" على مشروع قانون الموازنة الأمريكي وصفًا تحذيريًا "لحظة تروس الأمريكية؟"، في مقال نشرته صباح الجمعة، في مقارنة صريحة بين الوضعين الأمريكي والبريطاني.

خفض التصنيف الائتماني

حذّر اقتصاديون من أن خفض التصنيف الائتماني قد يؤدي نظريًا إلى زيادة تكاليف الاقتراض على الولايات المتحدة، إذا ما تزعزعت ثقة الأسواق في قدرة الدولة على سداد التزاماتها.

وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن الدولار الأمريكي لا يزال يتمتع بوضع خاص كعملة احتياطية عالمية، وأن سندات الخزانة الأمريكية تبقى ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات.

اختتمت وكالة موديز تقريرها بنظرة مستقبلية "مستقرة" للجدارة الائتمانية الأمريكية، رغم التخفيض، وأوضحت أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بـ"نقاط قوة استثنائية"، تشمل الحجم الكبير والمرونة والديناميكية في الاقتصاد، إضافة إلى استمرار هيمنة الدولار عالميًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية